احتفى جمهور مدينة الدار البيضاء، وللمرة الأولى منذ سنوات، بالشاعر والمترجم إدريس الملياني، الفائز مناصفة بجائزة المغرب للكتاب للعام 2024 في صنف الشعر، عن مجموعته "غمة الكمامة". نظم هذا اللقاء المفتوح، الذي استضافته جامعة المبدعين المغاربة، بهدف استكشاف التجربة الأدبية والإنسانية لشاعر عشق الأدب الروسي وترجم العديد من أعماله، واستقر في الاتحاد السوفياتي قبل تفككه، قبل أن يكرس نفسه للشعر والترجمة بصمت وزهد كبيرين.
شهد اللقاء تقديم ورقتين نقديتين بارزتين. الورقة الأولى، من توقيع الشاعر محمد علوط، صاحب كتاب "شعرية القصيدة المغربية الحديثة"، أكدت على أهمية تجربة إدريس الملياني الشعرية كأحد مؤسسي القصيدة المغربية الحداثية، مشيرة إلى إغفال اسمه دون سبب واضح من بعض الأنطولوجيات الشهيرة لتلك المرحلة. وقد شبه علوط لغة الملياني الشعرية في تلك الفترة بنصوص صديقه الشاعر الراحل أحمد الجوماري، الذي عاصره. كما استعرض علوط تطور اللغة الشعرية للملياني على مدى أربعة عقود. أما الورقة الثانية، فكانت للكاتب والشاعر محمد عرش، وركزت على البنية الشعرية في ديوان "غمة الكمامة"، مع تسليط الضوء على الحداثة الشعرية لدى الملياني التي تتجلى في "المواكبة والمسايرة دون ادعاء". وأوضح عرش أن الملياني، في هذا العمل، واجه محنة جائحة كورونا لا بالانزواء، بل بـ "شَتر" العمل، الذي تطلب الاطلاع على مصادر دينية وتراثية متعددة، معززاً بمرجعيات فلسفية مثل شوبنهاور. من جانبه، تناول الشاعر إدريس الملياني مفهوم "الشَّترية"، الذي كتب عنه مقالات وبيانات شعرية ونقدية، وتطرق إلى إشكالات قصيدة النثر، مقترحاً حلاً يسمى "المواطنية الشترية" الذي يجمع بين الشعر والنثر، ويدعو إلى التخلص من الطائفية الشعرية والنقدية. واقترح أن تتخلص قصيدة النثر من نسبتها للنثر وتنتسب للشعر فقط، لتكون مقابلًا للشعر التفعيلي. كما أشار إلى آراء الناقدة الفرنسية سوزان برنار حول الإيقاع في قصيدة النثر، ودورها في "نضال الإنسان من أجل مصيره". وقدَّم كل من الروائي والشاعر محمد صوف، والكاتب والروائي توفيقي بلعيد، والشاعر حسن عبيدو، شهادات تناولت المسارات الإنسانية والنضالية المشتركة للملياني. يُذكر أن الشاعر إدريس الملياني، الذي نال جائزة المغرب للكتاب مرتين، يمتلك إنتاجاً شعرياً متنوعاً يشمل "أشعار للناس الطيبين"، "في ضيافة الحريق"، "زهرة الثلج"، "أعراس الميادين"، "نشيد السمندل"، "بملء الصوت". كما له أعمال روائية مثل "كازانفا"، "ماتريوشكات"، "محكيات فتاة الثلج"، "الدار الحمراء". عُرِفَ أيضاً بترجماته لعمالقة الأدب الروسي، كدوستويفسكي وبوشكين وباسترناك. وقد نُشر إنتاجه الإبداعي في دوريات عربية، وترجمت أعماله إلى الفرنسية والإسبانية والروسية.
يُعد الشاعر والمترجم إدريس الملياني شخصية ثقافية بارزة، ساهمت أعماله الشعرية وترجماته الأدبية في إثراء المشهد الثقافي العربي. وقد أكد اللقاء الذي احتضنته الدار البيضاء على عمق تجربته الإبداعية وقدرته على تجديد مفاهيم الشعر، خاصة فيما يتعلق بقصيدة النثر.